بقلم سيادة المطران جمال خضر، النائب البطريركي للاتين في الأردن
عندما اعتزل يسوع مع تلاميذه في قيصرية فيلبس، سألهم: “من أنا في قول الناس؟”، تعددت الإجابات وأظهرت احترام الناس ونظرتهم اليه على انه نبي. ثم وصل الى السؤال لهم: “وأنتم؟ ماذا تقولون؟” هنا بادر بطرس بإعلان ايمانه بيسوع قائلاً: “انت المسيح ابن الله الحي”. هذا ما كشفه له الاب السماوي، واستحق عليه الثناء. مع اعلان ايمان بطرس تأتي المسؤولية والرسالة التي أوكلها له يسوع: ان يكون الأساس الذي سيبني عليه يسوع الكنيسة ويحمل سلطة الحل والربط. وعلى الرغم من ضعفه البشري، فهم بطرس ان عليه اعلان ايمانه بيسوع “المسيح ابن الله الحي” طيلة حياته، ويكون مستعداً لبذل حياته في سبيل هذا الإعلان. تعرض للسجن والاضطهاد وأخيراً للصلب على مثال معلمه في روما، فمات فيها شهيداً لهذا الايمان.
لم يكن التلاميذ فقط من عناهم يسوع في سؤاله. هذا السؤال “من انا في قولكم أنتم؟” هو سؤال أبدى يوجهه يسوع لكل مؤمن. فمن هو يسوع بالنسبة لك؟ ولنتذكر ان هذا السؤال ليس سؤالاً عابراً نختار له الكلمات الجميلة. هو اعلان ايمان، هو جواب يصدر من القلب فينعكس على حياتنا كلها.
قبل سنوات قام صحفي فرنسي بتوجيه سؤال واحد الى مجموعة كبيرة من الأشخاص من مختلف فئات المجتمع، بمن فيهم غير المؤمنين، وهو “من هو يسوع بالنسبة لك؟”. كانت الإجابات متنوعة، ولكنها تظهر تأثير شخصية يسوع المسيح على اعداد كبيرة من الناس. وقد جمع الإجابات في كتاب يحمل عنوان “من هو يسوع بالنسبة لك؟”. ونسمع بين الحين والأخر غير المسيحيين يعبرون عن اعجاب وتقدير عالٍ لشخصية يسوع وتعاليمه. ولكن هل لهذه المواقف تأثير على حياتهم؟
تاريخيا، كانت ولادة المسيح فاصلا لما قبلها ولما بعدها. وفي تاريخ الخلاص، أصبح تجسده قمة العلاقة بين الله والبشر وكمال وحي الله لذاته ولمحبته للبشر. وعلى مدى التاريخ، آمن به الملايين، والهم الملايين حياة عطاء وقداسة. والسؤال لا يزال يطرح على كل مؤمن: من هو يسوع بالنسبة لك؟ بالنسبة للقديس بطرس، كان يسوع هو المسيح الذي تنبأ عنه العهد القديم والذي انتظره الشعب. كان هو ابن الله الذي ارسله الله ليخلص العالم. كان هو الحي الذي لا يموت والذي يسكن معنا دائما. فاذا قلت ان يسوع هو الربّ، فتذكر ان لا يمكننا ان نعبد آلهة أخرى، لا المال ولا السطلة ولا المتعة. وإذا أقررنا انه المخلص، علينا ان نقبل هذا الخلاص والحياة الجديدة التي يمنحنا إياها. وإذا اعترفنا انه قائم من الأموات حي بيننا، فلنشهد له في حياتنا انه قد انتصر على الشر والخطيئة والموت.
ومع الاعتراف بالإيمان، هناك رسالة ومسؤولية، نحملها بفرح ونعيشها برجاء وننشرها بمحبة له وللقريب. هذا الاعتراف بالإيمان يعطي معنىً جديداً لحياتنا ولقراراتنا. ويمنحنا مسؤولية ان نشهد له، كما فعل بطرس، ونكون مستعدين للتضحية في سبيله وفي سبيل ايماننا به. وعندما نحمل هذه المسؤولية، تصبح مصدر فرح ورجاء لنا. فيكن المسيح مصدر فرحنا وشهادتنا وحياتنا، هو الحي بيننا والذي لن يموت ثانية.