“فقامَت مريم فمَضَت مُسرِعَةً” (لو1: 39).
لننطلق من جديد كـ مريم
بقلم الأرشمندريت ميّاس عبود – كاهن رعية الروم الملكيين الكاثوليك، ألمانيا
تلتقي الشّبيبة هذه الأيّام في اليوم العالمي للشّبيبة/لشبونة 2023، ملبّيةً دعوة يسوع الملحة والمستمرّة للنّهوض والانطلاق من جديد، واضعةً أمامها أُمّنا مريم، عذراء النّاصرة، الشّابة التي قبلت الدّعوة، وقالت نعم للملاك، وحملت البشارة بنشاط ودون أي تردّد متحدّية كل الصعوبات والظروف كمثال حيّ لتلبية هذه الدعوة: “فقامَت مريم فمَضَت مُسرِعَةً” (لو1: 39).
تُؤكّد الكنيسة هذه الدّعوة من خلال قداسة البابا فرنسيس، والتي تأتي كضرورة ملحة للشّبيبة في عالم غارق في أفكار جديدة وحريات مطلقة وتطورات سريعة، عالم مليء بالتّحدّيات وتعلوا فيه أصوات الحروب والخوف والقلق ويُزلزل فيه الإنسان في عمق كيانه. دعوة تتجدّد للشّبيبة للنّهوض من جديد وبسرعة دون أي تباطئ، وأن تقبل كـ مريم الرّوح القدس المحيي ليسكن فيها، ويضرم فيها من جديد روح الحياة والإيمان والحب والخدمة والرجاء، لتحمل البشارة في هذا العالم المظلم الضائع، وخصوصاً في بلاد الاغتراب، لتعيد له نور الحياة ووهج القدّاسة والحياة الحقيقيّة.
لايكفي للشّبيبة اليوم الانطلاق من جديد، ولكن أن تعي الشّبيبة أكثر ضرورة الإسراع في القيام والانطلاق من جديد، وعدم التوقف أو الخوف أو التردد، لا بل الاستمرار بالمسيرة رغم كل التحديات نحو المستقبل وتحقيق الهدف… أن نترك كل ما هو قديم من ألم وفشل وتعب وأن ننطلق إلى شيء واحد فقط إلى الأمام إلى المستقبل إلى الحياة الدّائمة في المسيح الحيّ، كما علَّمنا القديس بولس: أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ (في3 :13)، واثقين في حضور الله الدائم في حياتنا والقادر على تغيير كل شيء، والمعطي القوة للاستمرار والثبات إلى النهاية.
الشّبيبة في أوروبّا وخصوصاً شبيبتنا الملكيّة في ألمانيا (KMJD) مدعوة أن تكون على مثال مريم عذراء الناصرة، أن تحمل البشارة والانطلاق من جديد، واضعةً أمامها مريم التي لم يوقفها أي شيء، ولتجعل منها مثالاً لتحدّي المستحيل والانطلاق من جديد. وهاهي الشّبيبة الملكيّة في ألمانيا تسابق الزمن وتعوّض ماخسرت في سنين الحرب والهجرة والأزمات، بانطلاقة قوية تواكب الحياة الجديدة في الإغتراب وتحدّياته، بعد مسيرة ودرب آلام لسنوات عديدة، عانت فيه الكثير من الصعوبات والتّحدّيات والألم والتّعب والخوف والحرب والتّهجير والفشل، وهي اليوم في ألمانيا تلبي دعوة يسوع لها من جديد منذ عام 2021، وتحمله في داخلها كجواب من الله لها على كل هذه التّحديات، وتسعى لنقل هذا الحب والفرح والسلام الحقيقي لكل شاب وصبية في الأغتراب، وتحافظ عليه لوجوده في حياة الكنيسة والمجتمع والعائلة وحيث توجد كـ مريم التي حملته إلى أليصابات وفاض فرح عظيم في بيت زكريّا.
لقاء الشّبيبة العالميّ هو فرصة جديدة للشّبيبة أن تسمع صوت يسوع: “يا فَتى، أَقولُ لَكَ: قُمْ!” (لو7: 14)، “انهَضْ!” (أع 26: 16)، والذي يدعوها في الأغتراب كما في الوطن لتحدّي كل الظروف والصعوبات، للسير دون توقف، ولتنطلق من جديد نحو الخدمة والبشارة والشهادة، وأن تكون كـ مريم هيكل لله الحيّ، ممتلئة من روحه القدوس الذي أخذته بالمعمودية وتجدِّده في كل لقاء إفخاريستي، وتتحد مع يسوع الذي قدم ذاته ذبيحةً حيةً من أجلها، لتكون على مثاله ذبيحة حيّة على مذبح الحياة، ذبيحة حب وخدمة وعطاء وشهادة وبشارة وفرح وسلام، فيفيض نوره من خلالها في هذا العالم المظلم، أبناءً للنور شاهدين له أمام أخوتنا البشر.
يقول قداسة البابا فرنسيس للشبيبة: أيّها الشّباب الأعزّاء، أحلم أنّه في اليوم العالمي للشّبيبة يمكنكم أن تختبروا من جديد فرحَ اللقاء مع الله والإخوة والأخوات. (…) ليُضرم الرّوح القدس في قلوبكم الرّغبة في النّهوض وفرح السّير معًا بأسلوب سينودسيّ، فتتخلّوا عن الحدود الزّائفة. الآن حان وقت النّهوض! لننهض بسرعة! ولنحمل مثل مريم، يسوع فينا، ولنوصله إلى الجميع! في هذه المرحلة الجميلة جدًّا في حياتكم، تقدّموا، لا تؤجّلوا ما يمكن أن يعمله الرّوح فيكم! أبارك من كلّ قلبي أحلامكم وخطواتكم. (من رسالة قداسة البابا فرنسيس في مناسبة اليوم العالمي للشّبيبة، روما، بازيليكا القدّيس يوحنّا في اللاتران، يوم 15 آب/أغسطس 2022)
قامَت مَريمُ فمَضَت مُسرِعَةً” (لوقا1: 39)، وأنتم أيُّها الشّبان والشّابات هل أنتم مستعدون لتكونوا على مثال مريم؟ لنصلّي معكم ومن أجلكم ليعطيكم الرّب يسوع من جديد النعمة والقوة لتسرعوا على مثال مريم في النّهوض من جديد متحدّين كل الصعوبات وتشهدوا له للأبد آمين.