“لا تخافوا! فها أنا أبشركم بفرحٍ عظيم يكون للشعب كلّه”
بقلم الخورأسقف عامر قصار
مسؤول استوديو راديو مريم في دمشق
عيد ميلاد الرب يسوع بالجسد، الذي تعوّد أن يَحتفل به العالم، له نكهة تفوق جميع الأعياد. فهو عيد الإله المتأنس، عيد انعتاق البشرية من وصمة الخطيئة، وعيد الطفولة، والبراءة، والأمل بغدٍ أفضل. أجل “الشعبُ الجالسُ في الظلمة أبصر نوراً عظيماً، والجالسون في بقعة الموت وظلاله أشرق عليهم نور” (متى4: 16). لقد ولد المخلص بالجسد في هدأة الليل، في قرية صغيرة من فلسطين، هي بيت لحم. وجاء الملائكة يبشّرون رعاة كانوا هناك، يسبّحون الله، ويقولون: “المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام للناس الذين بهم المسرّة” (لو2:14).
نستقبل عيد ميلاد السيد المسيح هذه السنة، والقلوب واجفة، والأفكار قلقة، ولكننا في الوقت عينه نسمع السيد المسيح يقول لنا في إنجيله المقدس ما قاله لتلاميذه يوم هبّت عليهم العاصفة، وهم في عرض البحر المضطرب:” ثقوا أنا هو، لا تخافوا” ، وقال أيضاً: “سيكون لكم في العالم ضيق. تقوّوا أنا غلبت العالم”. ولو تصفّحنا الانجيل بكامله لرأينا علامات الطمأنينة والتشجيع، ونبذ الخوف، في كل صفحة من صفحاته.
أيها الأعزّاء، إنَّ عيد ميلاد السيد المسيح يدخل إلى قلوبنا، وإلى قلوب المؤمنين عندنا شعاعاً من نورٍ بهي، على الرغم من الظلام الذي يلفنا في هذه الأيام البائسة. وهو العيد الذي يذكرنا بما قاله الملائكة في ليلة الميلاد للرعاة: “لا تخافوا! فها أنا أبشركم بفرحٍ عظيم يكون للشعب كلّه”. وكلمةُ الملاك لا تزال تتردّد عبرَ الأجيال حتى وصلت إلينا: وهي لا تزال تقول لنا ما قالته للملائكة: لا تخافوا. إن الله هو حاميكم، وهو أقوى من كل الأقوياء. ولكن الله يطلب منا أن نضع ثقتنا به، ونعمل بإرادته، لا بإرادتنا، وأن ننبذ الأحقاد، والبغضاء، والاستغلال الرخيص، والسعي وراء المصالح الضيّقة، ولو على حساب المصالح العامة، وأن نعامل بعضنا بعضاً بالرفق والمعونة المخلصة والمحبة. وأن نساعد من يحتاجون من بيننا إلى مساعدة، وهم ليسوا بقلّة.
وخير وسيلة لطمأنتنا، هي أن السيد المسيح أراد أن يقيم دائما معنا وفي ما بيننا، في القربان المقدّس، لا بل أن يجعل نفسه لنا مأكلاً، ودمه مشرباً. عندما قال في العشاء السرّي: “خذوا كلوا هذا هو جسدي، وهذا هو دمي، دمُ العهد الجديد، الذي يهرق من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا” فامتزج بنا وأصبح أقرب الينا من نفسنا.
إنّ هذا الزمن الذي نعيشه هو دعوة متواصلة إلى الرجاء: فهو يذكّرنا بأنّ الله حاضرٌ في التاريخ كي يسير به إلى ملئه، الذي هو الربّ يسوع المسيح. إنَّ ميلاد يسوع هو تذكير برجائنا. هذه هي الرسالة التي أُعطِيَت للرعاة على لسان الملاك: “وُلِدَ لكم اليوم مخلّصٌ في مدينة داود، وهو الـمسيح الرب” (لو 2: 11). هؤلاء الرعاة يمثّلون المتواضعين والفقراء الذين كانوا ينتظرون المسيح، “الفرج لإسرائيل” (لو 2: 25) و”افتداء أورشليم” (لو 2: 38).
رأى الرعاة في ذاك الطفل الإلهي الذي ولدَتْه البتول عجباً تحقيقَ الوعود، ورَجَوْا أن يبلغ خلاص الله كلّ واحد منهم. فلنتذكّر دوماً أنّ الضمانة الوحيدة التي ستخلّصنا هي الرجاء بالله وليست ضماناتنا البشرية. فبالرجاء نسير في الحياة بفرح. “أمّا الصغار، كالرعاة، فيثقون بالله ويرجونه ويفرحون عندما يرون في ذاك الطفل العلامة التي أشار إليها الملائكة” (من المقابلة العامّة لقداسة البابا فرنسيس، الأربعاء 2016/12/21). هذه رسالة الرجاء والخلاص لنا نحن البشر، يمنحنا إيّاه مولود بيت لحم.
إنّا نتلفّت إلى طفل المغارة الإلهي لنسأله أن يوطد منا الإيمان به وبعنايته الإلهية، وأن يرسّخ في أذهاننا أننا أخوة، وأن هذه الأرض هي لنا جميعاً، فنرأف به ليرأف بنا وبمستقبل أجيالنا الطالعة.
أيّها الربّ يسوع، بميلادك أشرق النور السماوي في ظلمات حياة عالمنا، وفاض حقيقةً ومحبّةً وسلاماً، وتحقّق الرجاء بخلاص العالم وفداء كلّ إنسان. امنحنا نعمة الإيمان بك، وإعلان سرّ تجسُّدك وفرح البشارة بميلادك في كلّ زمانٍ ومكان. هبنا أن نهرع إليك عبر دروب حياتنا اليومية، ببساطة الرعاة، حاملين فرحك إلى كلّ حزينٍ ومتألّمٍ، وسلامك إلى كلّ حالة نزاعٍ وخلافٍ، وعدالتك إلى كلّ مظلوم. وأعنّا لنحيا قدسية انتمائنا إليك بهدي أنوار روحك القدوس. آمين.