“كلنا سنموت في آدم، وكلنا سنحيا في المسيح: كل واحد على حسب رتبته” (1 كور 15: 21-24)
بقلم الخوري جورج فؤاد شهوان
فيما نعيّد لانتقال العذراء مريم إلى السماء بالنفس والجسد، وهو من أوّل وأهم الأعياد المريميّة، تطالعنا تأملات روحية تضيء لنا طريق الحياة وتدخلنا في سرّ عمل الله في مريم وفي تاريخنا الشخصيّ.
- الانسان مدعو إلى الاكتمال
لا يمكننا فهم معنى انتقال العذراء إلى المجد السماويّ، وهو حدث موتها الأرضيّ وعبورها إلى الملكوت، إلا على ضوء حدث موت الرب يسوع وقيامته من بين الأموات. في مريم المنتقلة إلى السماء نتأمّل تحقيق الخليقة بحسب فكر الله: فالله أراد خلق الانسان على صورته وأعدّه ليكتمل فيه في حياة أبدية جوهرها الحبّ والاتحاد الكامل به. نرى على ضوء ذلك حقيقة ايماننا بانتقال العذراء، فهي على مثال ابنها وبقوة قيامته تغلّبت على الموت، وما يتضمّنه من انحلال وفساد، وانتصرت بنعمة من الله إذ بلغت كيانها النهيويّ “نفسًا وجسدًا” كما أراده الله. فالمسيحية لا تعلن خلاصًا للنفس فقط، في مستقبل مجهول، بل تنادي بحياة أبدية، وخلاص للنفس والجسد معًا. كما تؤمن بعالم نهائي سيكون ملء واكتمال هذه الأرض.
عيد الانتقال يذكّرني أنني كائن ناقص إلى أن اكتمل في الله.
- مريم صورة الخليقة الجديدة:
في الفكر اللاهوتيّ للكنيسة وبخاصة عند القديس بولس، يبقىيسوع هو بكر المائتين: عندما نغوص في سر موته وقيامته، نضحي شركاء في انتصاره على الخطيئة والموت. يقول لنا بولس الرسول أنّنا جميعًا متحدون بآدم، الانسان الأول والعتيق، ولنا جميعًا الإرث البشري الواحد: الألم والخطيئة والموت. ولكن نحن أيضًا منخرطون في الانسان الجديد، المسيح القائم. وهذا الانخراط أعطي لنا منذ المعمودية واهبًا لنا الحياة لا الموت.مريم هي الشريكة الأولى في قيامة ابنها وبكل كيانها: تحقّقت فيها القيامة الأخيرة (ماتت وقامت). عندما ننظر إلى مريم المنتقلة نرى مسبقًا مصيرنا النهائيّ: كل واحد منا مدعوّ إلى أن يتجلّى فيه مجد الله بأبهى صورة.
لا نكتفي بالإعجاب بمريم كما لو كانت شخصًا بعيدًا عنا: نحن مدعوون للنظر إلى ما أراده الله بحبه لنا لمصيرنا النهائي . ولا نشير بالسماء إلى مكان، بل إلى واقع أسمى بكثير يصعب وصفه من خلال مفاهيمنا البشرية. السماء تدل على الله الذي صار قريبًا منا ولا يتخلى عنا بعد الموت، بل يحفظ لنا مكانًا فيه ويهبنا الحياة الأبدية. عندما يموت شخص نقول أنّ جزءًا منه يستمرّ في البقاء فينا: ولكنّ الله لا يزول أبدًا ونحن موجودون فيه لأنه يحبّنا.