بقلم سيادة المطران مار يوليان يعقوب مراد
رئيس أساقفة حمص وحماه والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك
أيتها الأخوات أيها الاخوة المؤمنين بالمسيح.
سلام ومحبة الرب يسوع المسيح تغمرنا، بما له في قلبه الأقدس من حبٍّ يجذبنا إليه، لنتقاسمه معه، فينبض في قلوبنا فنعرفه أكثر، ويتجسَّد فينا إذا ما أحببنا بعضنا بعضاً، كما أحبنا هو إلى الحدّ أنَّه بذل نفسه ذبيحة شكرٍ لله الآب عنَّا، وأصبح لنا طعاماَ روحياَ من خلال الإفخارستيا.
- قلب يسوع ينبوع الحبّ الذي يغمر كلَّ القلوب:
إنَّ قلب يسوع الاله وبحسب مشيئة الآب القدُّوس، وبوسع الحبِّ الذي يملأ قلب أمِّه الحنون مريم، التي أحبَّت فأعطت ذاتها متخلِّيةً عن كلِّ شيء طاعةً لله الخالق، ورغبة يسوع في بذل ذاته عن البشر أجمعين، هي هدف وغاية تجسُّده طاعةً لأبيه، تجعل قلبه ممتلئاً حباً وألماً على العالم، لما فيه من نقصٍ في الحب، وعدم اهتمام بالغاية التي لأجلها خلق، ألا وهي أن يشارك الله في الخلق والوجود والسعادة.
- وحِّد قلبي فأخاف اسمك:
إنَّ قلب الانسان ممتلئ من رغبات مختلفة، مما تجعله مشتَّتاً وينبض بقوَّة في كلِّ الأحوال ويتعب…. إنَّ كلَّ إنسانٍ يتذكر في عمق أعماقه دعوته والغاية التي من أجلها خلق، ألا وهي أن يشارك الله متعة الوجود والخلق والجمال والحبّ، فيتوسَّع قلبه ليصبح قادراً على احتواء قلب الله الذي لا حدود له ولا وسع.
عندما كنت صغيراً في المدرسة الابتدائية لراهبات القلبين الأقدسين في حلب. علَّمتنا إحدى الراهبات ترتيلة:
قلبي زغير زغير زغير والله كبير كبير كبير والله تيساعو قلبي لازم حبوا كتير كتير….
عندها تأمَّلت هذه الكلمات البسيطة والتي في ذلك العمر كنَّا قادرين على فهمها، لأنَّ مخيِّلتنا كانت بسيطة أيضاً. فهمت حينها أنَّه فقط الحب هو الذي يستطيع احتواء الله. اليوم أعترف لكم بأني لا أستطيع فهمها كما يجب… كما قال يسوع لتلاميذه حول الغنى أيسر للجمل من أن يدخل في خرم الابرة من أن يدخل الغني ملكوت السماوات. كيف يكون ذلك؟
وحدة القلب، أي وحدة الحب، أي وحدة الغاية التي لأجلها خلقنا هي دعوتنا.
القيمة الوحيدة التي تبقى في الحياة هي العلاقات، هي لا تموت لأنَّ الانسان غير مائت، بشهادة الحب الإلهيّ الذي انتصر على الموت بالقيامة، وكشف لنا عن دعوتنا الأولى التي دعينا إليها، وطبيعتنا الأصليَّة التي خلقنا فيها والتي فقدناها عندما قسمنا قلبنا وشتَّتنا نفسنا في البحث عن نفسنا خارج ذاتنا.
عبادة قلب يسوع تعيدنا إلى مركز دعوتنا وطبيعتنا التي تتَّسم بالحياة وفقط، بالحبّ الحرّ، أي الذي لا يعرف التعلُّق والقيود والتشتّت، إنَّما يسلك في طريق واحدة، وبرغبة واحدة، وغاية واحدة مغمور في ذات الله.
القلب هو رمز وحدة الانسان:
تركز الكنيسة الكاثوليكية على ممارسة رياضة التعبُّد لقلب يسوع الأقدس لأنه رمز الوحدة.
أمام مسألة نزيف التهجير المستمر في بلادنا والتي نحن كلنا كعائلات كنسية مسؤولون عنه بطريقة مباشرة، نعيش إلى هذا اليوم صراعات وجودية هامة، ليس لأنها تستنزف الوجود المسيحي في المنطقة، إنما لأن هذا الوضع إذا كان يعبر عن شيء فهو يعبر عن عدم الوحدة. وحدة القلب، وحدة الرسالة، وحدة المسير، وحدة المصير إن صورة قلب يسوع المطعون بالحربة والذي ينزف دماً وماءً هي الواقع الذي نعيشه في بلادنا اليوم.. من منا يستطيع أن يقول بأنَّنا نتعبَّد لقلب يسوع ونتبع يسوع ونحمل يسوع ونعلن يسوع …. لا أحد طالما نحن منقسمين وغير قادرين على الاتفاق والسير معاً في نهج واحد واضح يتَّخذ من الشهادة والتبشير ركيزتين أساسيتين للانطلاق الرسوليّ والرعويّ.
يا ربّ، علِّمنا معنى الوحدة، وحدة القلب، وحدة الوجود، ووحدة الانطلاق والغاية.