بقلم الأب طوني زغيب م.ل.
عيد الفصح 2024
يضيء علينا زمن القيامة المبارك هذه السنة، مطبوعاً بالقلق أمام تحدّيات جمّة في شرقنا المتألّم. تترافق معايدتنا إليكم هذه السنة ملطّخة بصور العنف والظلم والموت. أحاديث يوميّاتنا، والهشاشة في تصوّر مستقبلنا أصبحت تهيمن على أفكرنا، ويبدو أن اللامساواة في خلق عدالة السلام للجميع دون تفرقة تَحوّل إلى حلم بدل أن يكون حقّاً طبيعيّاً فعادلاً للجميع.
أستذكرُ كلمة البابا بندكتوس السادس عشر لمناسبة عيد الفصح 2006، إذ تبدو وكأنّها مدوّيّة أكثر من ذي قبل مضى، رغم مرور حوالي عقدين على ذكرها إذ قال: «إن كلمات الملاك في صباح الفصح للنسوة الخائفات موجَّهة اليوم للجميع:” لا تخفنَ أنتن! … إنه ليس ههنا فإنه قد قام كما قال”. المسيح قام من بين الأموات ويهبنا السلام. إنه سلامنا. ولهذا بالذات تردد الكنيسة: المسيح قام! لا تخف بشرية الألفية الثالثة من فتح القلوب على المسيح لأن إنجيله يملأ العطش إلى السلام والسعادة الكامنتين في كل قلب بشري».
أيّها الأخوات والإخوة، نحن نعلم جيّداً، أنّ المسيح حيٌّ الآن وهو ويسير معنا، وأننا بفضل العماد أصبحنا نحن أيضاً، أبناء القيامة لا الموت. فلا تخافوا بل تشجّعوا وعانقوا المصلوب القائم من الموت حامل أوجاعنا وأوجاع البشريّة ليحوّلها بنعمته إلى نبع حياة لا يزول بفضل جسده السريّ، أي الكنيسة.
نعم، إن حاضرنا هذا يدعونا أكثر فأكثر، أن نسترجع كلام البابا بندكتوس ونتأمّل في رؤيته النابعة من قلب يُشبعه الإيمان الحكيم. فبشريّة الألفيّة الثالثة مدعوّة اليوم أكثر من ذي قبل إلى فتح القلوب على لغة المسيح التي تتجسّد في وصيّة المحبّة. إن وجدان البشريّة لن يهنئ إلا بتذوّق واستيعاب إنجيل المسيح، كلمة الله الحيّ القائم، مروي قلوبنا الظمأة إلى السلام والسعادة. لذلك نردّد ونصلّي مع الرسول بولس ونقول: «فليغمركم إله الرجاء بالفرح والسلام في الإيمان» (روما13:15)
عشرون سنة مضت تقريباً على كلمة البابا بندكتس، وأزمات البشريّة لم تنتهِ، فالصخور الثقيلة أمام القبر الذي يحطّم آمال البشرية كالحرب والدمار، القلق والجوع، العنف فالموت يعود ليذكّرنا بضعف وهشاشة بشريّتنا. لكنّ النسوة عند باب القبر رفعن أعينهنّ إلى العلى فرأين أنّ الصخر قد دُحرج. هذه الحقيقة المحيّرة لأبناء الظلام، يصحبها خبر مبهج لأبناء النور لأنّ: «من خلال هذا القبر الفارغ يمر الدرب الجديد، الدرب الذي لم يتمكن أحد منا سوى الله وحده من أن يفتحه: درب الحياة في وسط الموت، درب السلام في وسط الحرب، درب المصالحة في وسط الكراهية، درب الأخوَّة في وسط العداوة». بهذه الكلمات أعطى البابا فرنسيس هذه السنة وقعاً إيجابيًّا لكلمة سلفه، وبهذا الرجاء الجديد عايدنا.
إن شهود حدث القيامة، منذ التلاميذ الأوّلون إلى يومنا هذا، يشتركون في حدث واحد: هم شهدوا لأنّهم التقوا شخصيًّا بالمسيح! نحن أيضاً شهدنا لأنّنا رأينا حدث قيامته من خلال جسده السرّي، الكنيسة. فمنها ومن خلالها نعيش حدث قيامة الرب مصدر رجائنا وفرحنا. لنتخطى، إذاً، أخواتي وإخوتي – مستمعي إذاعة راديو مريم – شبح الموت والحرب، ومشاعر الكراهية فالعداوة، ولنسلك درب الحياة فنشهد لسلام المسيح القائم من الموت من خلال إعلان إيماننا:
المسيح قام، حقاًّ قام ونحن شهود على ذلك!