بقلم الأب طوني زغيب م.ل.
سنة ليتورجيّة جديدة مضت وأُخرى نفتتحها معاً اليوم، تُشرق في أفقها مسيرة أمل وحجّ نحو اليوبيل الذي أعلنه البابا لعام 2025. آمالنا في هذه السنة، ستكون مصحوبةً بفرحة العودة إلى الله من خلال تجديد انتمائنا إلى الكنيسة وتقديس بيعتها. هذا هو أملنا، وسط ويلات الحروب التي يعيشها شرقنا المتألّم، ممّا يمكن أن يملئ قلوبنا الشكّ، فيشلّ مسيرة الرجاء ويفرغ هذه السنة من جمالها.
فإلى من نذهب وعندك ينبوع الحياة؟
في خضّم هذه الحالة، حيث تبرز فيها مشاكل جمّة وتتفاقم فيها هواجس شتّى، من الضروري أن نعيد بجدية استئناف مسيرة التحول والتجديد التي عاشها الرسل الأوائل، قبل وبعد قيامة المسيح.
نعم، يجب أن نبدأ من المسيح، من كنيسته، من تعاليمه!
وسط التحوّلات الكبرى والسريعة التي نعيشها، لم يعد الوقت مناسبًا لصياغة المبادئ العامة. كما أنه لا يجدي نفعًا أن نتشتت في أروقة الأنشطة ووجدانيّات الشعارات… ليست هذه هي الرؤية المقترحة. بل من الضروري أن نشهد لكنيستنا في هذا العالم، كدعوة مميزة للحياة، والتي نصونها، من خلال عيشنا الفضائل المسيحيّة الثلاث: الإيمان والرجاء والمحبّة.
ولكن، كيف يمكننا تحقيق ذلك؟ كيف نشهد في شرقنا هذا التألّم عن صدق قيمنا ومصداقيّة عيشها؟
هذه الفضائل تُعاش من خلال خوض حياةٍ مبنيّة على أساس حجر الزاوية وهو المسيح، ومشاركة تجربتنا ببساطة كقصة تمثل ملكوت الله، في سعي دائم لإيجاد إيقاع جديد يعبّر عن روح هذا العصر. يتعلق الأمر أولًا بإيقاع حياتنا الداخلية، ذلك الاتّحاد الداخلي مع شخصنا الذي يصبح تدريجيًا، على مدار السنة الليتورجية، ذاكرة حيّة لطريقة عيش وسلوك الرب يسوع أمام الآب والعالم. في الوقت نفسه، لدينا إيقاع خارجي أي إيقاع الحياة الكنسيّة: العلامة المنظورة لجسد المسيح السرّي والحيّ، القائم من بين الأموات، حيث نختبر معاً قوّة الإيمان، معنى الرجاء وجمال المحبّة. ثم هناك الإيقاع الثالث، وهو الأهم من جميع الإيقاعات، الذي يمنح معنى وقوة للإيقاعين السابقين. إيقاع يمكننا تلخيصه في عبارة من المزمور 135: “فإنّ إلى الأبد رحمته”. عندما نتأمّل حياتنا، بإيقاعها الداخليّ والخارجي، أي تجاربنا الشخصية وتجربة الحياة الكنسية، نجد أنفسنا في قلب العاصفة: عندما ترخي الحياة علينا ظلالها، وتظهر الشكوك، وتنعدم الثقة في المستقبل. عندما نحلم بالجمال فلا نرى إلّا الخراب والألم، الصعوبات والفشل، الخيانة والخوف، الموت والعدم… في كل هذا، يجب أن نعترف بأن يد الرب يجب أن تُمجَّد بالدرجة الأولى من أجل وجوده المستمر كمصدر للحياة ونبعاً للحكمة، مثالاً للمغفرة ونوراً للأمم.
إخوتي الأحباء، إنّنا “حجّاج الأمل” لننطلق معاً، في افتتاح هذه السنة الليتورجيّة، جنباً إلى جنب نحو الهدف وهو المسيح. هو اليوبيل الخاص بنا، هو غفراننا، هو أملنا، هو خلاص العالم!