بقلم الخوري فادي شكّور

مدير برامج راديو ماريا – لبنان


إنّ دفء شهر آب يدعونا لأن نُكمِل غذاءنا الروحي في مسيرتنا وأن نعمّق أكثر علاقتنا بالرب يسوع، وفي هذا الشهر المبارك تحتفل الكنيسة بإحدى أهم أعياد السنة الليتورجية المكرسة لمريم الكلية القداسة: عيد الانتقال.
في ختام حياتها الأرضية، انتقلت مريم بجسدها ونفسها إلى السماء، أي إلى مجد الحياة الأبدية، إلى ملء وكمال الشركة مع الله.
يناسب هذا العام الذكرى الرابعة والسبعين لإعلان البابا بيوس الثاني عشر هذه العقيدة، وأود أن أقرأ – رغم أنها معقدة بعض الشيء – صيغة إعلان العقيدة.
يقول البابا: “بهذا الشكل إن أم الله المعظمة، المتحدة بشكل سماوي بيسوع المسيح منذ الأزل وباختيار مسبق مماثل للحبل بها بلا دنس، ولعذريتها في أمومتها الإلهية، ولاتحادها السخي في عمل الفادي الإلهي الذي حمل النصر على الخطيئة ونتائجها، نالت في الختام، كتتويج سامٍ لامتيازاتها أن تُحفظ من فساد القبر، وبعد الغلبة على الموت ارتفعت نفساً وجسداً إلى مجد السماوات، حيث تشع ملكة عن يمين ابنها، ملك الدهور الذي لا يموت”.

Cost. ap. Munificentissimus Deus, AAS 42 (1950), 768-769

هذا هو إيماننا بانتقال العذراء: نحن نؤمن أن مريم، مثل المسيح ابنها، قد تغلبت على الموت وهي منتصرة في المجد السماوي في كلية كيانها، “نفساً وجسداً. يشرح لنا القديس بولس أننا جميعاً متحدون في آدم، الإنسان الأول والعتيق، ولنا جميعاً الإرث البشري الواحد: الألم، الموت، الخطيئة. ولكن إلى جانب هذا الواقع الذي يمكننا أن نراه وأن نعيشه كل يوم، يضيف بولس أمًرا جديداً: نحن لسنا فقط ورثة هذا الكيان البشري الذي بدأ مع آدم، بل نحن منخرطون أيضاً في الإنسان الجديد، في المسيح القائم، وعليه فإن حياة القيامة حاضرة فينا منذ الآن. الانخراط الأول هو انخراط في الموت، انخراط يولد الموت. الانخراط الثاني، الجديد، المعطى لنا في المعمودية، هو انخراط يهب الحياة.

يقول القديس بولس: “عن يد إنسان أتى الموت فعن يد إنسان أيضا تكون قيامة الأموات، وكما يموت جميع الناس في آدم فكذلك سيحيون جميعا في المسيح، كل واحد ورتبته. فالبكر أولا وهو المسيح، ثم الذين يكونون خاصة المسيح عند مجيئه. ثم يكون المنتهى حين يسلم الملك إلى الله الآب بعد أن يكون قد أباد كل رئاسة وسلطان وقوة” ( 1كور 15، 21 – 24)

ما يقوله بولس الرسول عن كل البشر، تقوله الكنيسة في تعليمها المعصوم عن مريم، بشكل أكثر دقة: تندرج أم الله في سر المسيح بشكل عميق لدرجة أنها تضحي شريكة في قيامة ابنها بكل كيانها، انطلاقًا من ختام حياتها الأرضية؛ تعيش ما ننتظره نحن في نهاية الأزمنة عندما سيهزم “العدو الأخير”، الموت.

تعيش مريم فيما نتلوه في قانون الإيمان “نترجى قيامة الموت والحياة في الدهر العتيد.”

فما هي جذور هذا الانتصار على الموت الذي نرى استباقه في مريم؟ الجذور تقوم في إيمان العذراء، كما يشهد نص الإنجيل في لوقا؛ (لو 1، 39 – 56) إيمان هو طاعة لكلمة الله واستسلام كامل للمبادرة والعمل الإلهيين، بحسب ما يعلن رئيس الملائكة.

الإيمان، إذًا، هو عظمة مريم، كما أعلنت بفرح أليصابات: مريم هي “مباركة بين النساء”، و “مباركة ثمرة بطنها” لأنها “أم الرب”، ولأنها تؤمن وتعيش بشكل فريد التطويبة الأولى، تطويبة الإيمان. تعترف أليصابات بهذا الأمر بفرحها وبفرح الجنين الذي يرتكض في أحشائها: “طوبى للتي آمنت بأن سيتم ما قيل لها من قبل الرب.”

يجب ألا نكتفي بالاعجاب بمريم وبمصيرها، كما ولو كانت شخصاً بعيداً جداً عنا:

لا! نحن مدعوون للنظر إلى ما أراده الرب بحبه لنا أيضاً، لمصيرنا النهائي: أن نعيش في الإيمان في شركة كاملة بالحب معه، فنعيش بهذا الشكل حًقا.

ونحن كمستمعين لراديو مريم نترجى ان نكون من الذين يصغون الى كلمة الله ويعملون بها ويثبتون في هذا الايمان الراسخ لنستحق نحن أيضا الطوبى مثل مريم العذراء. بهذا الرجاء وهذا الايمان وهذه المحبة نصلّي كل يوم مع امنا مريم لكي تكون مثالا لنا نحتذي به فنصغي ونتأمّل ونعيش حب الرب في واقع حياتنا فنظهر مجد الله في مخلوقاته آمين

12 أغسطس 2024

راديو مريم - البث المباشر


This will close in 20 seconds