المطران كريكور اوغسطينوس كوسا بنعمة الله
أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك
“مات المسيح من أجلنا، وقام من اجل برّنا”
إلى إخوتي الكهنة الأحباء والراهبات الفاضلات،
وأبناء الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية في الإسكندرية مدينة الله العظمى وبلاد الإنتشار،
وإلى المؤمنين أبناء الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسوليّة،
“سلام الله الذي يفوق كل إدراكٍ يحفظ قُلوبكم واذهانكم في المسيح يسوع” (فيليبي ٤: ٧)
القائم من بين الأموات.
“المسيح قام… إنه ليس هَهُنا” (لوقا ٢٤: ٦)
“المسيح قام… حَقَاً قام، ونحن بأجمعنا شهود على ذلك” (أعمال الرُسُل ٢: ٣٢).
هذه التحية، تحية هذا الصباح، تحية عيد الفصح المجيد التي نتبادلها معاً عبر العصور جعلتنا نعيش حدث القيامة، سر الإيمان المسيحي القويم.
الشموع التي أضاءت كنائسنا هذا اليوم، ترمز لنور المسيح الذي ينير الإنسانية قاهراً الموت وظلمة الخطيئة والشر. واليوم تدوي بقوة كلمات ملاك الرب إلى النسوة اللواتي كنّٓ يبحثن عن جسد المسيح داخل القبر. وإذ كن خائفات ونكَّسنَ وجوههن إلى الأرض، إذا برجلين قد وقفا عندهن بلباسٍ براق وقالا لهنّ: لماذا تطلبن الحي بين الأموات. إنه ليس ههنا لكنه قد قام (لوقا ٢٤: ٤-٦). ومنذ ذاك الصباح تدوي هذه الكلمات في المعمورة كلها كإعلان فرح لم يتغيَر على مر القرون ، لا بل بقي مشحوناً بمعان جديدة.
“إنه ليس ههنا لكنه قد قام” (لوقا ٢٤: ٦)
قام المسيح من بين الأموات. ولم يبقى سجين الموت. والقبر عاجز عن احتواء “الحي” الذي هو مصدر الحياة وينبوعها بالذات. ومثلما كان يونان في بطن الحوت كذلك يكون ابن البشر في قلب الأرض في يوم السبت. لأن يوم ذلك السبت كان عظيماً كما كتب الإنجيلي يوحنا مضيفاً أن ابن البشر هو رب السبت أيضاً وقد أتمَّ عمل الخلق رافعاً الإنسان والكون إلى حرية مجد أبناء الله. وبعد هذا العمل الخلاصي الإلهي، الذي لا سيستطيع الإنسان فهمه بتفكيره البشري، قام المسيح من بين الأموات. ولهذا يعلن الملائكة اليوم: “أنه ليس ههنا لكنه قد قام”. لقد سار السيد المسيح على أرض البشر وأنهى مسيرته في القبر شأن الجميع لكنه قهر الموت بالموت، وبطريقة جديدة، قهر الموت بواسطة المحبة. بالمحبّة وبالمحبة فقط فتح الأرض وشرَّعها نحو السماء.
يسوع شمس العدالة
لقد أجاد القديس أوغسطينوس في تأمّله بعيد القيامة في إحدى عظاته: “أفراح يوم الفصح سببها قيامة الموتى، وولادة الذين اقتبلوا العماد ولادة جديدة. إنّ جمال هذا اليوم يفوق بكثير جمال باقي أيام السنة، لأنّ قيامة الحَمَل تُلقي عليه نوراً خارقاً للعادة. في هذا اليوم ترتفع شمس العدالة، أي المسيح في السماوات، بعد أن أعلن عن هذا الخبر المفرح لنفوس القديسين، وأخرج معه أجسادهم من جوف الأرض.
إنّ أورشليم السماوية هي أشبه بمجموعة كواكب روحية، لمعت لمعاناً جديداً، عندما عاد هؤلاء الموتى إلى الحياة، ودخلوا داخل جدرانها. والكنيسة تبدو مشرقةً لأنّ جميع الذين وُلدوا بالنعمة ينشرون عليها نوراً حيّاً. والموتى القائمون من الموت كانوا شهوداً على قيامة شمس العدالة، كالذين تقبّلوا العماد بالماء والروح القدس. فلنضرب على القيثارة مع داود النبي، ولنرتّل معاً: هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح فيه ونبتهج”.
في الرجاء نِلْنا الخلاص (روما ٨: ٢٤)
إن قيامة المسيح، بفضل العماد الذي يجمعنا به، حررتنا من شريعة الموت والخطيئة (روما ٧: ٢)، وبقيامتنا “نشاركه في مجده أيضاً” (روما ٨: ١٧). إن نبؤة النبي حزقيال ليوم فصح الرب: “هكذا قال السيد الرب، هآءنذا أفتح قبوركم وأُصعِدَكم من قبوركم يا شعبي وآتي بكم إلى أرض الخلاص”، هذه النبؤة تعني أن وعد الخالق يكتمل اليوم، حتى في زماننا الحاضر المطبوع بالخوف والقلق، لنعيش حدث القيامة الذي بدَّل الحياة وتاريخ البشرية.
اليوم، الفقراء والمرضى والمتألمون والمضطهدون والمشردون واللاجئون ينتظرون الرجاء الحقيقي من المسيح القائم من بين الأموات. فليحمل الرجاء معه روح القائم من بين الأموات الأمن والراحة إلى العالم وخاصةً إلى بلاد الشرق الأوسط التي تتوق إلى المصالحة والعدالة والنمو. وليَسُدِ فيها السلام حيث العنف يحصد ضحايا كثيرة. وليحمل السلام للمتورطين في النزاعات والحروب في روسا وأوكرانيا، وكاراباخ ارتساخ، والأراضي المقدسة وبصورةٍ خاصة غزّة المتألمة.
نرفع اليوم صلواتنا بإيمان وحرارة وثقة ليدعو القائم من بين الاموات الجميع إلى حوار صبور ومستديم يزيل العوائق القديمة والجديدة وإلى تحاشي مشاعر الانتقام، وإلى تربية الأجيال الناشئة على الاحترام المتبادل، والعيش المشترك.
وليُحرِّك روح القائم من بين الأموات حيوية جديدة في التزام البلدان العظمى لتحسين الأوضاع الحياتية لملايين المواطنين، وترسيخ دعائم المؤسسات الإنسانية ضمن روح الوفاق والتضامن البنَّاء. ويزرع في نفوس المسؤولين عن الأمم والمنظمات الدولية الإرادة في تحقيق تعايش سلمي بين مختلف الأعراق والثقافات والديانات وإبعاد تهديد الحروب والعنف والإرهاب.
إخوتي الأحباء،
لينشر الرب يسوع، القائم من بين الأموات في كل مكان قوة الحياة والسلام والحرية. إن كلمات الملاك في صباح الفصح للنسوة الخائفات موجَّهة اليوم للجميع: “لا تخفنَ أنتن!” إنه ليس ههنا فإنه قد قام كما قال” (متى ٢٨: ٥).
المسيح قام من بين الأموات وبقيامته وهبنا السلام. إنه سلامنا. ولهذا الحدث العظيم بالذات، تردد الكنيسة: المسيح قام! فعلينا أن لا نخاف من فتح القلوب على المسيح لأن إنجيله يملأ العطش إلى السلام والسعادة الكامنتين في كل قلب بشري.
المسيح حيٌ الآن ويسير معنا كما وعدنا وقال: “هاءَنذا معَكم طَوالَ الأيام إلى نهاية العالم” (متى ٢٨: ٢٠).
المسيح قام … حَقَاً قام