بقلم د. رند أبو عقل
يتحدث اندراوس الكريتي (+ 740) الدمشقي المولد عن ميلاد والدة الإله “احتفال اليوم هو بداية الأعياد بالنسبة لنا”. وإلى هذا اليوم لاتزال الكنائس تحتفل في الثامن من أيلول من كل عام بميلاد أم الرب، فهو عيد مريمي يفتتح الدورة السنوية للأعياد الليتورجية الكبرى التي تبدأ في الأول من أيلول. وهذا ويعود تاريخ ميلاد العذراء مريم، على الأرجح، إلى القرن الخامس، حيث بدأ في أورشليم على المستوى المحلي وكُرِّسَتْ كَنِيسَة على اسم والدة الإِلٰه مريمَ، قُرْبَ بِرْكَةِ “بَيْتَ حِسْدا”. وسرعان ما وصل العيد إلى القسطنطينية، حيث ألّف ولحن القدِّيس رومانوس المُرنّم التَّراتيل الخاصَّة بِهذا العيدِ. في نهاية القرن السابع وصل هذا العيد إلى روما مع البابا سرجيوس الأول (687-701) الصقلي المولد والإنطاكي الأصل.
في الوقت الذي يذكر العهد الجديد ميلاد يسوع المسيح في كل من إنجيل متى 1: 18 – 25 وانجيل لوقا 2: 1– 20 وأيضاً ولادة يوحنا المعمدان في الإصحاح الأول من انجيل لوقا، الآيات (57 – 66)، فإنه لا يذكر شيئا عن ولادة مريم العذراء و لا عن طفولتها ولا عن رقادها. الحياة المبكرة لمريم، والدة الإله، حتى بشارة الملاك، مذكورة في الأناجيل الأبوكريفية وبشكل خاص “إنجيل يعقوب الأولي” المنحول. حيث تم استعارة الأناشيد والأيقونات المتعلقة بالأعياد التي تحتفل بحمل مريم وولادتها وتكريسها للهيكل وهي طفلة من هذا النص القديم الذي يؤرخ من القرن الثاني: حيث جاء فيه أن يواكيم والد مريم الذي كان من سبط يهوذا ومن نسل داود، نشأ في أسرة تقية تمارس الشريعة وتقدم الذبائح. و”كان يقدم ذبائح لله قائلاً في قلبه: يواكيم كان غنيًّا جدًا ويقدَّم لله قرابين مضاعفة، قائلا في قلبه: “لتكن خيراتي للشعب كلّه، من أجل مغفرة خطاياي لدى الله، ليُشفق الربّ عليَّ”. ويتابع الفصل الثاني والثالث بالحديث عن حزن حنة بسبب عدم إنجابها لذرية وكانت امرأته حنة تعاني حزنًا مضاعفًا، وقائلة: “أنني ارثي لترملي وعقمي”. لأن العقم كان عند اليهود عاراً ولعنة من الله، أما الولادة فكانت تعني ضمان النسل لمجيء المسيح المنتظر.”وإذ رأت شجرة الغار، جلست تحتها، ووجَّهت صلواتها إلى الربّ، قائلة: “يا إله آبائي، باركني واستجبْ صلاتي، كما باركت أحشاء سارة ورزقتها إسحق ابنًا ويتابع الفصل الرابع بالحديث عن بشارة الملاك لحنة”. وإذا بملاك الربّ قد ظهر لها وقال: “يا حنة، أن الله سمع صلاتك؛ سوف تحبلين وتلدين، ونسلك يحكى عنه في العالم كله”. فقالت حنة: “حي هو الرب، إلهي؛ سواء كان من ألده ذكرًا أم أنثى فسوف أُقدمه للربّ، وسوف يكرَّس حياته للخدمة الإلهية”. يتابع الفصل الخامس بالحديث عن حبل حنّة وولادتها: وفي الشهر التاسع ولدت وقالت لقابلتها: “ماذا ولدت؟” فأجابت الأخرى: “بنتًا”. فقالت حنة: “نفسي ابتهجت هذه الساعة”. وأرضعت حنة طفلتها وأسمتها مريم.
أما أيقونغرافيا، فإن أقدم تصاوير هذا العيد فتؤرخ إلى القرنين الثامن والتاسع والتي نعثر عليها في روما في كنائسها القديمة في كل من كنيسة القديسة ماريا أنتيكوا وكنيسة القديسة مريم المصرية وكنيسة مار سابا. بينما في روسيا، فنجد اقدم الأمثلة وأشهرها هي اللوحات الجدارية في كاتدرائية القديسة صوفيا في كييف من النصف الأول من القرن الحادي عشر والجداريات في كنيسة التجلي في دير ميروزكي من القرن الثاني عشر.
في أيقونتنا هذه من مجموعة خاصة في روما وهي أيقونة روسية تؤرخ إلى القرن الثامن عشر للميلاد. تصور “ميلاد السيدة” الذي يحدث داخل المنزل، في الخلفية يمكننا رؤية الأبنية والهياكل المعمارية المدببة والمزخرفة التي تذكرنا بالفن الروسي من نهايات القرن الثامن عشر ذات الأقواص المفصصة والملونة. هذه الأيقونة تعكس بشكل أو بآخر تصورًا أمينًا لإنجيل يعقوب المنحول، مع تكوين يشبه ميلاد يسوع المسيح. حيث تصوِّر الأيقونة المرسومة بأسلوب رائع ودقيق التفاصيل، القديسة حنة وهي تلد العذراء مريم. وتُظهِر الصورة على خلفية معمارية منمقة ثلاث مشاهد من حياة والدة الإله: على اليسار القديسة حنة نصف مستلقية على سرير بجوارها خادمة تحمل مشروبًا لإرواء عطش حنة؛ وفي أسفل اليسار، نجد القابلات يغسلن الطفلة حديثة الولادة؛ هذا المشهد الذي يذكرنا بمشهد غسل الرضيع يسوع المسيح بواسطة سالومة في أيقونة ميلاده. وعلى يمين الأيقونة نشاهد القديسة حنة والقديس يواكيم زوجها، جالسين جنبًا إلى جنب ويداعبان ابنتهما ويذكرانا بقنداق العيد “إنّ يواكيم وحنّة من عار العقر أُطلقا، وآدم وحواء من فساد الموت بمولدِك المقدَّس يا طاهرةُ أُعتقا. فله أيضاً يعيِّدُ شعبُكِ وقد تخلَّص مِن وصمة الزلاّت، صارخاً نحوكِ: العاقرُ تلِد والدة الإله المغذِّية حياتنا.