كان هذا اسقفاً على اورشليم، مشهوراً بالغيرة الرسولية وبالقداسة والخطابة. وقد ساس رعيته أحسن سياسة الى نحو سنة 205، فافترى عليه بعض الحساد المبغضين والصقوا به أشنع التهم واسندوا الى ثلاثة شهود زور وأخذ كل منهم يؤيد شهادته بنوع من القسم. فقال الاول: ليُحرق جسدي بالنار ان كنت كاذباً، وقال الثاني: ليبتلَ جسدي بالاسقام ان كنت كاذباً. وقال الثالث: لتطفأ عيناي ان كنت كاذباً.
ولما رأى الاسقف ما حيك حوله، زهد في الدنيا وترك اسقفيته واعتزل في البرّية، مستسلماً لارادة الله، دون أن يعرف أحد مكانه. أما الذين شهدوا زوراً، فعاقبهم الله بمثل ما أقسموا به، فاحترق الاول في منزله وابتُلي الثاني بقروح أيوبيّة من رأسه الى قدميه. وفقد الثالث بصره بعد ان تاب توبة صادقة واستمر يبكي خطيئته الى أن انطفأت عيناه. فتحقق المؤمنون براءة اسقفهم نرسيس القديس، فخرجوا في طلبه. ولما وجدوه، سألوه ملحين، ان يرجع الى كرسيه، فأبى، معتذراً لتقدمه في السن، فمَا زالوا حتى ارغموه. فعاد معهم بعد ان تخلى عن كرسيه اثنتي عشرة سنة. وأخذ يواصل جهاده وتفانيه في سبيل النفوس. وقد رد بوعظه وخطبه البليغة كثيرين الى الايمان بالمسيح. وقد اجرى الله على يده آيات عديدة. ثم رقد بالرب سنة 212. صلاته معنا. آمين.