بقلم د. رند أبو عقل

تُعدُّ أيقونة “رقاد السيدة العذراء” من أبرز الأيقونات في الكنائس التي تتبع التقليد البيزنطي، حيث يجسّد هذا العيد المريمي المحوري لحظة انتقال العذراء مريم من الحياة الأرضية إلى الحياة السماوية. يأتي هذا العيد في ختام السنة الليتورجية البيزنطية، مما يُضفي على شهر آب نفحة مريمية خاصة، ويجعل من هذه الفترة الزمنية محطة مهمة في الحياة الطقسية. علماً أن العيد الأول من السنة هو عيد ميلاد مريم بينما العيد الأخير هو عيد رقادها، بصريح العبارة نقول أن مريم العذراء تبدأ وتُنهي السنة الليتورجية التي مركزها عيد قيامة يسوع المسيح.

تاريخياً، تم إقرار عيد رقاد السيدة العذراء رسميًا في نهاية القرن السادس من قبل الإمبراطور موريس (582-602) ليصبح من الأعياد السيدية في الشرق البيزنطي، أما في الغرب، كما جميع الأعياد المريمية الأخرى التي تم إدخالها والإحتفال فيها من قبل البابا سرجيوس الأول (687-701) في نهاية القرن السابع. يمكن العثور على الأخبار حول نهاية حياة مريم الأرضية عليها في النصوص المنحولة المكتوبة بالسريانية واليونانية واللاتينية والقبطية والعربية والإثيوبية والجورجية والأرمنية التي تعود إلى القرن الخامس-السادس. يبدو أن هذه التقاليد بدأت في فلسطين ومصر وانتشرت بسرعة في العالم المسيحي القديم. ذلك، أشار آباء الكنيسة في عظاتهم إلى هذا العيد، مثل مكسيموس المعترف (+662)، جيرمانوس القسطنطيني (+730)، اندراوس الكريتي (+740) ويوحنا الدمشقي (+750).

توجد أيقونتنا هذه في كنيسة سيدة الدخول للروم الأرثوذكس في حماة، سورية، تنسب إلى يوسف المصور و تعود إلى سنة 1641.

نشاهد العذراء في وسط الايقونة مسجاة على ما يشبه السرير أحمر ويداها موضوعتان بشكل صليب، وهي ترتدي ثوباً بنياً ومذهباً.

في وسط الأيقونة يظهر السيد المسيح واقفاً خلف النعش، جسده محاط بهالة بهية من النور مرتدياً ثوباً ذهبياً يغطي كامل الجسد مع اليدين، اللتين يحمل بهما مريم العذراء على هيئة طفلة. في إشارة إلى التقليد الكنسي الذي يتحدث عن “مجيء السيد وملائكته”. تحيط المسيح طغمات من الملائكة، وعلى جانبي نعش العذراء نرى أحد عشر رسولا تبدو ملامح الحزن على وجوههم. وهم بطرس الرسول الواقف أمام رأس السيدة العذراء حاملاً بيده مبخرة، يليه فيليبس الرسول في الصف الأول و نشاهد يعقوب أخو الرب يرتدي ثياباً كهنوتية وخلفه برنابا الرسول في الصف الثاني.

بينما من الجهة الأخرى نشاهد الإنجيلي يوحنا منحن خلف نعش العذراء، بينما خلفه إندراوس و وبولس الرسول يحمل مبخرة يتبعه برتلماوس. في الصف الثاني نرى مرقس الإنجيلي ولوقا ومتى الإنجيلي. نشاهد في الصف الثالث من اليسار النسوة يتقدمهم يعقوب أخو الرب. فقًا للتقليد الكنسي، كانت هؤلاء النسوة “ثلاث عذارى قديسات” ذهبن مع العذراء لخدمتها. يذكر أيضًا حضور حواء الأم الأولى، وحنة أم العذراء، وأليصابات أم يوحنا. في الجانب المقابل، نجد شخصيات بلباس رؤساء الكهنة، مثل ديونيسيوس الأريوباغي وأياروتاوس.

في الجزء العلوي من الأيقونة، يصور يوسف المصور تقاليد كنسية عن الرقاد مثل “مجيء الرسل على السحب” و”إعطاء توما الزنار”. تظهر الأبواب في قمة الأيقونة مفتوحة، وملاكان يحملان السيدة العذراء، في تصوير لصعودها السماوي. الخلفية المعمارية تتكون من بناءين؛ يمثل أحدهما الجسمانية على اليمين كمكان للدفن، بينما يرمز الآخر إلى الهيكل على اليسار، حيث قضت العذراء جزءًا كبيرًا من طفولتها. في مقدمة الأيقونة، نجد تصويرًا لتقليد “الرجل المقطوع الأيدي”.

في الختام نقول أن أيقونة “رقاد السيدة العذراء”تمثل تمازجاً فنياً وروحياً وثقافياً يعكس عمق الإيمان المسيحي وقيمه، حيث تمكن يوسف المصور من تصوير كافة التقاليد الكنسية المتعلقة بهذه اللحظة المقدسة بشكل متكامل وجميل. تعكس الأيقونة رؤية شاملة لرقاد العذراء، وتتعدى الزمان والمكان الأرضيين جامعةً الحزن الأرضي والفرح السماوي، الفناء المادي والخلود الروحي، لتبقى شاهداً على أهمية العذراء مريم في تاريخ الخلاص ودورها المحوري في الليتورجية البيزنطية.

Abou Ackl, Rand, “The Architecture at the Melkite icons in Syria from middle of seventeenth until the beginnings of nineteenth centuries’’, the dissertation, University of La Sapienza, Rome (Italy), 2018. Unprinted

Abou Ackl, Rand, The Art of Aleppian icon (Damascus: Ministry of Culture- Directorate General of Antiquities and Museums

12 أغسطس 2024

راديو مريم - البث المباشر


This will close in 20 seconds